سورة العاديات - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العاديات)


        


{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)}
اختلف في العاديات والموريات والمغيرات هل يراد بها الخيل أو الإبل؟ وعلى القول بأنها الخيل اختلف هل يعني خيل المجاهدين أو الخيل على الاطلاق؟ وعلى القول بأنها الإبل اختلف هل يعني إبل غزوة بدر أو إبل المجاهدين مطلقاً، أو إبل الحجاج أو الإبل على الاطلاق؟ ومعنى العاديات التي تعدو في مشيها، والضبح هو تصويت جهير عند العدو الشديد، ليس بصهال. وهو مصدر منصوب على تقدير: يضبحن ضبحاً أو هو مصدر في موضع الحال تقديره: العاديات في حال ضبحها، والموريات من قولك أوريت النار إذا أوقدتها، والقدح هو صك الحجارة فيخرج منها شعلة نار. وذلك عند ضرب الأرض لأرجل الخيل أو الإبل، وإعراب قدحاً كإعراب صبحاً، والمغيرات من قولك: أغارات الخيل إذا خرجت للإغارة على الأعداء، وصبحاً ظرف زمان لأن عادة أهل الغارة في الأكثر أن يخرجوا في الصباح {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً} هذه الجملة معطوفة على العاديات وما بعده لأنه تقدير التي تعدو، والنقع: الغبار والضمير المجرور للوقت المذكور وهو الصبح، فالباء ظرفية أو لكان الذي تقتضيه المعنى، فالباء أيضاً ظرفية أو للعَدْو، وهو المصدر الذي يقتضيه العاديات. فالباء سببية، ومعنى أثرن حركن والضمير الفاعل للإبل أو للخيل أي حركن الغبار عند مشيهن {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً} معنى وسطن توسطن، وجمعاً اختلف هل المراد به جمع من الناس أو المزدلفة لأن اسمها جمع والضمير المجرور للوقت أو للمكان أو للعدو أو للنقع.


{إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)}
{إِنَّ الإنسان لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} هذا جواب القسم والكنود الكفور للنعمة فالتقدير: إن الإنسان لنعمة ربه لكفور، والإنسان جنس، وقيل: الكنود العاصي، وقال بعض الصوفية: الكنود هو الذي يعبد الله على عوض {وَإِنَّهُ على ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} الضمير للإنسان أي هو شاهد على نفسه بكنوده، وقيل: هو الله تعالى على معنى التهديد: والأول أرجح لأن الضمير الذي بعده الإنسان بإتفاق، فيجري الكلام على نسق واحد {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الخير لَشَدِيدٌ} الخبر هنا المال، كقوله: {إِن تَرَكَ خَيْراً} [البقرة: 180] والمعنى أن الإنسان شديد الحب للمال، فهو ذم لحبه والحرص عليه، وقيل: الشديد: البخيل، والمعنى على هذا أنه بخيل من أجل حب المال، والأول أظهر، {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي القبور} اي بحث عند ذلك عبارة عن البعث {وَحُصِّلَ مَا فِي الصدور} أي جمع ما في الصحف وأظهر محصلاً أو ميز خيره من شره {إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ} الضمير في ربهم وبهم يعود على الإنسان، لأنه يراد به الجنس وفي هذه الجملة وجهان: أحدهما أن هذه الجملة معمول {أفلا يعلم} فكان الأصل أن تفتح إن، ولكنها كسرت من أجل اللام التي في خبرها، الثاني: أن تكون هذه الجملة مستأنفة ويكون معمول {أفلا يعلم} محذوفاً ويكون الفاعل ضميراً يعود على الإنسان والتقدير: أفلا يعلم الإنسان حاله وما يكون منه إذا بعثر ما في القبور؟ وهذا هو الذي قاله ابن عطية: ويحتمل عندي أن يكون فاعل {أفلا يعلم} ضميراً يعود على الله، والمفعول محذوف والتقدير: أفلا يعلم الله أعمال الإنسان إذا بعثر ما في القبور، ثم استأنف قوله: {إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ} على وجه التأكيد، أو البيان للمعنى المتقدم، والعامل في إذا بعثر على هذا الوجه هو: أفلا يعلم، والعمل فيه على مقتضى قول ابن عطية هو المعفول المحذوف، وإذا هنا ظرفية بمعنى حين ووقت وليست بشرطية، والعامل في يومئذ خبير، وإنما حض ذلك بيوم القيامة لأنه يوم الجزاء بقصد التهديد، مع أن الله خبير على الإطلاق.